حقوق الفتيات والنساء في قفص الكورونا، إضاءة على الواقع الحالي وتوصيات لحمايتها
الصحة الجنسية والانجابية
                                    بات من الضروري في أيامنا هذه ألا نقف مكتوفي الأيدي في حيرة من حداثة وتسارع مجريات الوقائع المرافقة لتفشي فايروس كورونا وتحوله إلى جائحة عالمية، بل يجب علينا أن ننظر إلى المستقبل بعين محللة ومتنبئة كي نتكمن من تجنب كوارث، باتت تدق ناقوس الخطر في العديد من مجالات حقوق الإنسان وأحد هذه المجالات المهمة والأساسية هي الحقوق الجنسية والإنجابية.
وتكوين فهم دقيق حول مفهوم الصحة الجنسية والإنجابية بما يتضمنه من أبعاد وآفاق وسبل للتحقيق، سيضعنا على خارطة الطريق باتجاه فهم التحديات الجمّة التي تعتري تنفيذه لاسيما في أوقات الأزمات والحروب والكوارث الطبيعية والجائحات البيولوجية كما نشهد في وقتنا الحالي.

فالصحة الجنسية والإنجابية الجيدة هي حالة من السلامة الجسدية والنفسية والاجتماعية الكاملة في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي. ويعني هذا قدرة الإنسان على التمتع بحياة إنجابية مُرضية وآمنة، والقدرة على إنجاب الأطفال، وحرية القرار فيما يتعلق بإنجاب الأطفال وموعده وعدد مرّاته.
وللحفاظ على الصحة الجنسية والإنجابية، يحتاج الإنسان إلى الوصول إلى معلومات دقيقة ووسائل آمنة وفعالة لتنظيم الأسرة بسعر معقول ومن اختيارهم. 
ويجب إعطائهم الحق في الوصول إلى تلك المعلومات الصحيحة والمناسبة من الناحية الثقافية ولابد من تمكينهم لحماية أنفسهم من الأمراض المنقولة جنسياً. فعندما يقررن إنجاب أطفال، يجب أن تتاح للنساء إمكانية الوصول إلى المعلومات والحصول على الخدمات التي يمكن أن تساعدهن على تحقيق الحمل الآمن والولادة الآمنة والطفل السليم.

ولاشكّ أن أيامنا الحالية تعيد إلى الذاكرة رسالة القائمة بأعمال المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان الدكتورة / نتاليا كانيم، بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني (19 أغسطس/آب 2017) عندما قالت:
” تنهار النظم الصحية وسيادة القانون تحت وطأة النزاع وعدم الاستقرار وانعدام الأمن. وعند حدوث ذلك، تواجه النساء اللاتي في سن الإنجاب مخاطر متزايدة بحدوث الحمل غير المقصود أو العجز أو الوفاة نتيجة الإنجاب دون الحصول على مساعدة الطبيب أو القابلة. كما تصبح النساء عرضة بشكل متزايد إلى الاغتصاب والاستغلال الجنسي.
ويجب ألا تغفل الاستجابة الإنسانية أبداً الاحتياجات وأوجه الضعف الخاصة لدى النساء والفتيات. إذ أن بقاء امرأة على قيد الحياة أو موتها خلال أزمة من الأزمات قد يتوقف على حصولها على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الحرجة مثل الرعاية التوليدية الطارئة ونظم الإحالة للحالات الطارئة على مدار الساعة."

ولنستعرض الأحداث كاملة لابدّ لنا من العودة إلى نقطة البداية، ففي 11 مارس/آذار 2020، أعلنت "منظمة الصحة العالمية" أن تفشّي مرض "كوفيد-19" الناتج عن فيروس "كورونا" المستجد قد بلغ مستوى الجائحة، أو الوباء العالمي. 
وعلى أثر ذلك دعت المنظمة الحكومات إلى اتخاذ خطوات عاجلة وأكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس، معللة ذلك بمخاوف بشأن "المستويات المقلقة للانتشار وشدّته".
وذلك بناء على أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل أنً لكل شخص الحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، ويُلزِم الدول باتخاذ تدابير لمنع تهديد الصحة العامة، وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاجها.
ومن الواضح أنّ وباء كوفيد-19، بمدى اتساعه وخطورته، يرقى إلى مستوى تهديد للصحة العامة ويمكن أن يبرّر فرض قيود على بعض الحقوق، مثل تلك التي تنجم عن فرض الحجر الصحي أو العزل الذي يحدّ من حرية التنقل. 
وفي الوقت نفسه، بعض الاستجابات الراهنة خلقت تحديات مضاعفة لتحقيق العدالة وحقوق الإنسان الأساسية وكمثال عليها أصبحت هناك محدودية في وصول النساء والفتيات للرعاية الطبية المناسبة والأدوات التي تتيح لهن الحصول على حقوقهن الجنسية والإنجابية.
فغالباً ما يحمل تفشي الأمراض آثارا مرتبطة بالنوع الاجتماعي. ووجدت "هيومن رايتس ووتش" أن تفشي فيروس إيبولا في 2014، وتفشي فيروس زيكا الذي ينقله البعوض في البرازيل في 2015-2016 كانت لهما آثار ضارة بشكل خاص على النساء والفتيات، وعزّز اللامساواة الجندرية القائمة منذ أمد طويل. وتشير التقارير الإخبارية وتحليلات الصحة العامة إلى أن فيروس كورونا يؤثر بشكل غير متناسب على النساء بعدد من الطرق.
رغم عدم اتضاح المخاطر الخاصة بالنساء الحوامل المعرضات لفيروس كورونا حتى الآن، إلا أن التفشي قد يؤثر سلباً على الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. فكل من النظم الصحية المثقلة، وإعادة تخصيص الموارد، ونقص الإمدادات الطبية، وانقطاع سلاسل التوريد العالمية قد يضر بقدرة النساء على الحصول على وسائل منع الحمل والرعاية قبل الولادة، وخلالها، وبعدها. 
ورغم أن خطر العدوى عن طريق الرضاعة الطبيعية غير معروف، أوصى "صندوق الأمم المتحدة للسكان" بعدم فصل الأمهات المرضعات المصابات بالفيروس عن أطفالهن.
ولا نستطيع إغفال أن الأوبئة السابقة، مثل تفشي الإيبولا في سيراليون، أثرت على توفر الرعاية الروتينية لمرحلة ما قبل الولادة وفي فترة الأمومة، ما يُعرّض النساء أكثر لخطر الوفاة والأمراض النفاسية التي يمكن تجنبها.
وفي الصين، تشير التقارير الصحفية إلى زيادة في العنف الأسري تحت الحجر الصحي. فالأزمات وفرض الحجر لدواعي صحية يمكن أن يزيد من حالات العنف الأسري لأسباب منها زيادة الضغوط، والأوضاع المعيشية الصعبة وفي أماكن مكتظة، وانهيار آليات الدعم المجتمعي. وكثيراً ما تحد الأزمات قدرة النساء على تفادي الانتهاكات، وتضع الضحايا في بيئة تفتقر إلى الخدمات المناسبة، مثل مأوى آمن بعيداً عن المنتهِكين والمحاسبة على الانتهاكات.
وتضطلع النساء حول العالم بالرعاية والعمل المنزلي غير مدفوعَيْ الأجر أكثر من الرجال بحوالي مرتين ونصف، ويتحملنّ مسؤوليات رعاية إضافية عند إغلاق المدارس أكثر من الرجال، ما يصعّب عليهن الحفاظ على عمل مأجور، مما دفع بعض الدول مثل اليابان وإيطاليا لمحاولة خلق حلول ولكن هذه الحلول تعاني من بعض الثغرات ولمّا تستطع بعد تحقيق الهدف المرجو منها.
فضلاً عن كون 95٪ من النساء العاملات في بعض المناطق يعملن في القطاع غير الرسمي حيث ينعدم الأمن الوظيفي، ولا يجدن شبكات أمان إذا دمرت أزمة مثل فيروس كورونا مدخولهن. ويشمل العمل غير الرسمي العديد من المهن التي من المرجح أن تتضرر بسبب الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي، والتباطؤ الاقتصادي، مثل الباعة المتجولين، وتجار السلع، والعمال الموسميين. 
وللنساء تمثيل كبير أيضا في قطاع الخدمات الذي كان من بين القطاعات الأكثر تضررا بسبب الاستجابة لفيروس كورونا.
وتشكّل النساء 70٪ من مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية حول العالم - ما يعني أن النساء متواجدات على الخطوط الأمامية لاحتواء انتشار فيروس كورونا وقد يتعرضن بشدة للفيروس بسبب عملهن في القطاع الصحي. وقد يؤدي الخوف في المجتمعات من تعرض العاملين في قطاع الصحة للإصابة إلى نبذ النساء العاملات في هذا القطاع أو تعرضهن للوصم، ما يضيف عبئا إضافياً على التحدي المتمثل في محاولة حماية صحتهن وصحة أسرهن. قد يتجلى ذلك، مثلاً، لدى محاولة تأمين رعاية الأطفال أثناء عملهن في الخطوط الأمامية.
وبعض العاملات في مجال الرعاية هن عاملات منازل مهاجرات. قد يكنّ عرضة لظروف العمل المسيئة في الأوقات العادية، وبالتالي حالياً هن معرضات لزيادة خطر الانتهاك، وفقدان العمل، وتواجدهن في الخطوط الأمامية لتقديم الرعاية بدون حماية كافية، وعجزهن عن العودة إلى بلادهن أثناء الأزمات.
وكذلك التوجه نحو العمل والدراسة من المنزل كوسيلة للتباعد الاجتماعي قد يضر بالنساء والفتيات بشكل غير متناسب. فاحتمال قدرة النساء على الاتصال بالإنترنت أقل بحوالي 31٪من قدرة الرجال في بعض البلدان، ويقل عدد النساء حول العالم بحوالي 327 مليون عن الرجال من حيث امتلاك هاتف ذكي. حتى عند تمكن النساء من الاتصال بالإنترنت، قد تحد الفوارق الجندرية قدرتهن على استخدامه لأسباب منها التكلفة، والتنشئة الاجتماعية، والضغوط الأسرية.

وفي ضوء التحديات المطروحة، قامت "هيومن رايتس ووتش" بمشاركة عدد من التوصيات الموجهة للحكومات ومختلف الجهات التي تعمل بالاستجابة للأزمة الحالية، هذه التوصيات تشمل التالي:
•	ينبغي للسلطات اتخاذ خطوات للتخفيف من الآثار المرتبطة بالنوع الاجتماعي وضمان ألا تؤدي الاستجابات إلى ترسيخ انعدام المساواة الجندرية.
•	عند نقل التعليم إلى الإنترنت، ينبغي للحكومات ومقدمي التعليم مراقبة مشاركة الطلاب واستمراريتهم في الدروس عبر الإنترنت من أجل رصد الأثر المرتبط بالنوع الاجتماعي والاستجابة بسرعة من خلال استراتيجيات لضمان استمرار النساء والفتيات في متابعة التعلّم وإعادتهن إذا انخفضت مشاركتهن. على هذه الجهات أيضاً معالجة تعرّض النساء بشكل خاص لخطر فقدان وظائفهن أثناء إغلاق المدارس إذا قمن بنشاطات رعاية إضافية.
•	ينبغي أن تضمن التدابير المصممة لمساعدة العمال المتضررين من الوباء مساعدة العاملين في القطاع غير الرسمي وقطاع الخدمات، ومعظمهم نساء.
•	ينبغي للحكومات ضمان أن تتناول حملات التوعية العامة كيف يمكن لضحايا العنف الأسري الحصول على الخدمات، وعليها التأكد من إتاحة الخدمات لجميع ضحايا العنف الأسري، بمن فيهن من يعشن في مناطق تخضع لقيود على الحركة أو تحت الحجر الصحي والمصابات بفيروس كورونا.
•	ينبغي للحكومات دعم العاملين في الخطوط الأمامية في مجال الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، مع الاعتراف بأن أغلب هؤلاء العاملين هم نساء. ينبغي أن يشمل الدعم النظر في احتياجاتهن كمقدمات رعاية ضمن أسرهن وتأثير الوصمة عليهن وعلى أسرهن.
•	ينبغي أن تتبنى البلدان الأصلية لعاملات المنازل المهاجرات والبلدان التي يعملن فيها تدابير خاصة لتحديد ومساعدة أولئك العاملات لمنع ظروف العمل المسيئة، وتقديم المساعدة المتعلقة بالتعامل مع فيروس كورونا.
•	ينبغي للحكومات والهيئات الدولية مراقبة تأثير فيروس كورونا على النساء الحوامل والعمل على التخفيف من تأثير الوباء على حق النساء والفتيات في الحصول على خدمات الصحة الجنسية وتلك الإنجابية.

وفي الختام، لابدّ من التنويه أنه وعلى الرغم من كل الجهود الحثيثة المبذولة لمحاولة ردم الفجوة الجندرية ونبذ العنف القائم على النوع الاجتماعي ما تزال تفصلنا أشواط طويلة عن بلوغ هذا الهدف وتحقيق العدالة الجندرية، فالأزمات على اختلاف أشكالها تأتي مُقنعة لتكشف لنا حجم الفجوة ومقدار العمل الذي تحتاج مختلف المنظمات والحكومات تبنيه على الدوام ولاسيما في وقت الأزمات لضمان الحقوق الإنسانية بشكل عام، والحقوق الجنسية والإنجابية بشكل خاص.

سابينا مفيد منصور

المصادر:
	يجب حماية الصحة والحقوق الإنجابية أثناء الأزمات - صندوق الأمم المتحدة للسكان | سوريا
	الصحة الجنسية والإنجابية - صندوق الأمم المتحدة للسكان | المكتب الإقليمي للمنطقة العربية
	Human Rights Dimensions of COVID-19 Response - Human Rights Watch
                                
2020-06-05 21:39:55