ازدواجيّةٌ بين ممارسة العنف ومناهضته .. !
العنف القائم على النوع الاجتماعي
                                    "أذهب إلى العمل دون أن أرتّب سريري لأنني أعرف مسبقاً أن أمي ستقوم بترتيبه وأعود فتضع لي الغداء، وإن كانت نائمة أنتظرها حتى تستيقظ وتقوم هي بذلك، هل هذا عنف ؟ نعم ومتأكد من ذلك حتَى بتّ أبدأ جلساتي التوعويّة بهذا المثال مؤكداً على ضرورة البدء من أنفسنا".
هذا ما قاله هوزان محمد ( 25 عاماً ) متطوّع في جمعية قرى الأطفال SOS ومنسّق سابق لجلسات العنف القائم على النوع الاجتماعي.

ففي ظل هذه الحرب ومع تحوّل ثقافة المجتمع المدنيّ عن خصائصها السياسيّة إلى إطار منظماتٍ ومجتمعاتٍ محلّيّة، وجد الشّباب السّوريّ فيها مكاناً للتعبئة ومنفذاً للتفريغ فراح جزءٌ إلى التخصص في مجال الإغاثة ، بينما التفت آخرون إلى تقديم جلساتٍ توعويّةٍ كان الرائج منها يُعنى بمواضيع المساواة بين الجنسين والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

ورغم ما يسعى إليه هؤلاء الشباب بنشر الوعي المتعلًق بالموضوعين الآنف ذكرهم إلّا أنه -وبصرف النّظر عن الأسباب- قد أصبح من الواضح أنهم باتوا يعيشون ازدواجيّة مرهقةً بين ما يتشدّقون على المنابر وبين ما يطبّقون.

هذا ما حاولت تأكيده المحاميّة المتمرّسة مرح عاصي ( 24 عاماً ) فقد بدأت بتوضيحها أن مشاركة النساء اليوم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية بات ضرورةٌ حتميّةٌ فرضتها حربٌ غيّبت بدورها الأدوار المجتمعيّة المؤطرة، وإيماناً منها بذلك ورغبةً بالتغيير فقد توجّهت نحو المحكمة الجزائية للتمرّس في القصر العدليّ بدمشق، لمدة سنتين اثنين، فكانت السنة الأولى مليئةً بالصدمات، كفيلةً بالابتعاد.

وتروي لنا عاصي سبب ابتعادها: " تعرّضتُ لإساءةٍ وتحرِشٍ لفظيٍّ من قبل أحد القضاة الذين اضطررت للتعامل معهم ، ورغم قوّة شخصيّتي ، ودفاعي الدائم والمستميت عن قضايا المرأة، إلّا أنني وجدتُ نفسي ضعيفةً ، وجدت نفسي عاجزةً أمام قانونٍ قد لا يؤمن لي الحماية المطلوبة ".

أما عن غسان ( اسم مستعار ) الناشط والمتخصص في مجال الجندر والذي كان يسطّر يومياً أهمّ قصص النجاح فيقول : " كنت على علاقةٍ بفتاةٍ مثقّفة وكنا نعمل في نفس المجال راغبين بخلق أثر عند المستفيدين مهما كان صغيراً ، متناسين تطبيق ذلك على أنفسنا أولاً ، فراحت تطالبني كلً يومٍ بخاتم خطبةٍ ، ولم أستطع تحمًل تكاليفه وقتئذٍ ، فافترقنا ! "

ويوضّح غسّان بأن الازدواجية التي كان يعيشها مع تلك الفتاة تعود إلى تسليط المجتمع كل الأضواء على العنف القائم على المرأة مهمّشاً تماماً العنف القائم على الرجل!

وهكذا أمام هذا الوضع المعقّد الذي نواجه، من الطبيعي أن يكون الرهان الأكبر يقع بصورة رئيسيّة على عاتق الشباب بما تمتلكه من إمكانات وما تختزنه من طاقات إذا ما وجّهت بالشكل الصحيح، ولكن الفوضى المخلوقة اليوم والتي تولّد عند الشباب ازدواجية بين ما تربّى عليه من تمييز بين الجنسين وتعاريف مجتمعيّة متباينة، وبين الحالة المثلى التي يسعى إلى خلقها قد تقلب الموازين، وتحوّل المشاريع والدراسات والاستراتيجيات إلى سلاحٍ فتًاك، وتخلق نموذجاً من الشباب متخبّطاً حول نفسه ومجتمعه، معنّفاً ورافضاً للعنف في الوقت نفسه.
                                
2020-06-08 22:31:42