العنف الأسري
العنف القائم على النوع الاجتماعي
                                    العنف الأسري أو المنزلي

قد لا يبدو منطقياً عندما نعلم بأنه على الرغم من أن الشكل الأكثر انتشارًا للعنف ضد الإناث في جميع أنحاء العالم هو العنف المنزلي أو الأسري وأنه مصدر قلق خطير على الصحة العامة في كل مجتمع وثقافة حيث لفت إليه المجتمع الطبي الانتباه لما له من تأثير سلبي وضار على الصحة العقلية والبدنية والاجتماعية للإناث , ومع كل ما سبق فإن هذا العنف لا يُعترف به عادة ولا يزال غير مرئي في العديد من الثقافات والمجتمعات ولا سيما العربية . 
وذكرت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة على مستوى العالم أن "  التقديرات تشير إلى أن 35 في المائة من النساء في جميع أنحاء العالم قد تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من الشريك الحميم في مرحلة ما من حياتهن أي بنسبة 1 \ 3 من السيدات حول العالم قد تعرضن لأحد أشكال العنف خلال حياتهن . ومع ذلك ، تشير بعض الدراسات الوطنية إلى أن ما يصل إلى 70 في المائة من النساء تعرضن للعنف الجسدي و / أو الجنسي من شريك حميم في حياتهن " 

ما هو العنف الأسري ؟
حدّدت منظمة الصحة العالمية العنف الأسري بأنه "مجموعة من الأعمال القسرية الجنسيّة والنفسيّة والبدنيّة المستخدمة ضد النساء الراشدات والمراهقات من قبل الشركاء الحميميين أو السابقين من الذكور" , ولا يقتصر العنف الذي تتعرض له النساء في كثير من الأحيان على الزوج الحالي فقط بل قد يشمل أيضاً الأزواج السابقين وأفراد الأسرة الآخرين مثل الوالديّن والأشقاء والأصهار .

أنواع العنف الأسري :
تحت هذا العنوان الكبير تندرج أنواع مختلفة من الإساءات :
- العنف الجسدي : 
تعتبر الإساءة الجسديّة هي أكثر أشكال العنف المنزلي شيوعًا, وهي تنطوي على استخدام القوة ضد الضحية مما يسبب ضرراً جسدياً للضحية , فمثلاً تعتبر الصفعة عنفاً جسدياً منزلياً .
- العنف العاطفي ( النفسي ) : 
ينطوي الانتهاك العاطفي على تدمير قيمة الذات الخاصة بالضحية من خلال الإهانة المستمرة أو الإذلال أو النقد , وقد يكون من الصعب على الكثيرين فهم أن هذا النوع من الإساءة يعتبر عنفاً لأنهم يفترضون أنها أمر شائع الحصول في العلاقات داخل المنزل أو الأسرة أو أنها أحد حقوق الزوج على زوجته والأهل على أولادهم .


- العنف الجنسي : 
الاعتداء الجنسي هو شكل شائع من أشكال العنف الأسري ولا يشمل الاغتصاب الزوجي فقط والذي و إجبار الزوجة على ممارسة الجنس وإن لم يكن برغبتها بل أيضاً المضايقات مثل ( اللمس غير المرغوب وغير ذلك من السلوكيات المهينة ). كما يندرج ضمن هذا النوع فرض الحمل على المرأة أو إجبارها على استخدام وسائل منع الحمل أو الإجهاض .
- العنف الاقتصادي : 
يقصد بهذا المفهوم منع الأنثى من قبل أحد أفراد أسرتها المهيمنين ( الأب , الأخ , الزوج ) من حق التعليم والحصول على وظيفة أو إذا كانت صاحبة دخل فإنه يتحكم بهذا الدخل ويمنعه عنها وبالتالي تصبح تحت رحمته من الناحية المالية و التي يستخدمها كوسيلة لإخضاعها .
ما هي آثار العنف الأسري :
بما أن الأسرة هي المكان الذي يفترض أن يكون الأكثر أمناً لأفرادها فإن الآثار المترتبة على العنف داخلها تكون أكبر وأكثر عمقاً في نفس الضحية وتأخذ نتائج هذا العنف أياً كان نوعه أشكالاً متعددة كما تذكر لنا مؤسسة  " JOYFUL HEART FOUNDATION " التي تقول أن للعنف الأسري آثاراً شائعة منها الجسديّة مثل ( الكدمات , ضيق التنفس , عدم انتظام الأكل والنوم بالإضافة للعجز الجنسي ) , النفسيّة وتسمى اضطراب ما بعد الصدمة الذي من أهم أعراضه ( القلق الشديد , الاكتئاب , استذكار الحادثة مما يسبب الكوابيس ) وبما أنه غالباً ما يكون من الصعب على معظم الإناث الكشف عن تعرضهن للعنف الأسري كونها تعتبرها معلومات سرية وحميمية فإن كتمانها لهذه لمعاناة قد يفاقم حالتها النفسية وقد تدفع هذه الضغوط الضحية إلى الانتحار , كما أن الأطفال الذين يشهدون أو يتعرضون للعنف المنزلي يعانون من انتكاسات كبيرة على المستوى السلوكي والعاطفي وقد يتأثر سلباً تحصيلهم العلمي وعلاقتهم مع والديّهم ويفقدون الأمان داخل المنزل . 
إن الآثار المترتبة على العنف المنزلي قد لا تكون سهلة التجاوز ولا سريعة النسيان فبعضها يبقى عالقاً في أذهان الضحايا ويسبب لهم الكثير من المعاناة كما أن الأطفال قد ترافقهم هذه الآثار حتى بعد سنوات من تعرضهم أو مشاهدتهم لها ولذلك ينبغي أن يحظوا باهتمام ومتابعة خاصة .

هل النساء فقط هن من يتعرضن للعنف الأسري ( المنزلي ) ؟! 
نشرت صحيفة GUARDIAN البريطانية تحقيقاً حول تقرير لمؤسسة إحصائية ومما جاء فيه : " يقول تقرير جديد إن حوالي اثنين من كل خمسة من ضحايا العنف المنزلي هم من الرجال ، مما يتناقض مع الانطباع المنتشر على نطاق واسع بأن النساء غالباً ما يتعرضن للضرب والرضوض. ويبين تحليل مؤسسة  "الإحصاءات " المختصة بالإحصاءات المتعلقة بالعنف المنزلي أن عدد الرجال الذين تعرضوا للهجوم من قبل الزوجات أو الصديقات أعلى بكثير مما كان يعتقد و تظهر البيانات من النشرات الإحصائية الصادرة عن وزارة الداخلية البريطانية ومسح الجريمة البريطاني أن الرجال يشكلون حوالي 40٪ من ضحايا العنف المنزلي كل عام بين عامي 2004 - 2005 و 2008 - 2009 ، ففي العام 2006-2007 ، شكّل الرجال 43.4٪ من مجموع الذين عانوا من إساءة المعاملة  والتي ارتفعت إلى 45.5٪ في عام 2007- 2008 ، لكنها انخفضت إلى 37.7٪ في 2008- 2009 .
وتقول نشرة 2008-2009: " أكثر من امرأة واحدة من كل أربع نساء (28٪) وحوالي واحد من كل ستة رجال (16٪) تعرضوا للعنف المنزلي منذ عمر 16 عامًا , هذه الأرقام تعادل ما يقدر بـ 4.5 مليون من ضحايا النساء العنف المنزلي و 2.6 مليون ضحية من الرجال ". ويكمل التقرير : ورغم هذه الأرقام إلا أن الرجال تعتبرهم المنظمات الحقوقية والشرطة " ضحايا من الدرجة الثانية " كما أن وسائل الإعلام تتجاهل محنتهم  وقد أثرت هذه النظرة حتى على توفر دور الرعاية المخصصة للناجين من العنف فحسب التقرير هناك 7500 مركز للنساء في حين يوجد فقط 60 مركزاً للرجال !!  

ما هي الحلول المقترحة للعنف الأسري ؟
يقدم موقع MARRIAGE.COM  مجموعة حلول للتعامل مع الناجين من العنف الأسري منها ما هو طويل الأمد ومنها ما هو قصير ولا سيما في المرحلة التي تعقب التعرض للاعتداء مباشرة ففيها تكون الضحية خائفة وغير قادرة على التصرف بعقلانية بل وقد تقدم على الانتقام ولذلك كانت بعض هذه الحلول التي منها ما هو على صعيد الاستجابة الفورية ( كتوفير خط ساخن للحالات الطارئة – الملاجئ الآمنة – الخدمات الطبية الإسعافيّة ), وعلى الصعيد النفسي ( الدعم النفسي للضحايا – مساعدتهم على إعادة بناء الثقة بأنفسهم – تطوير تدريبات للوالدين حول التعامل الأسري ), أما قانونياً ( الوصول إلى الأطفال وحضانتهم في حال كانوا في خطر – توفير المشورة القانونية للضحية - الدعوة لتشديد العقوبات على المسيء ) وأيضاً تتضمن هذه الخيارات تأمين دور إقامة بديلة للضحايا ودور حضانة للأطفال في حال أصبحت منازل أسرهم تشكل خطراً عليهم .  

في النهاية يجب التنويه أن هدفنا من هذا المقال هو تسليط الضوء على العنف الأسري كمشكلة خطيرة يجب التعامل معها بجديّة والبحث عن حلول فعليّة لها وليس الاكتفاء بمعالجة نتائجها فقط , نظراً لما قد تولده هذه الإساءات المتكررة من مشاكل على صعيد الذات والأسرة والمجتمع والتي سينتج عنها بطبيعة الحال تحديات أكبر قد لا يمكننا السيطرة عليها مستقبلاً .    
 
المصادر :

http://www.unwomen.org/en/what-we-do/ending-violence-against-women/facts-and-figures
http://arabstates.unwomen.org/en/what-we-do/ending-violence-against-women/facts-and-figures
https://family.findlaw.com/domestic-violence/types-of-domestic-violence.html
http://www.joyfulheartfoundation.org/learn/domestic-violence/effects-domestic-violence
https://www.theguardian.com/society/2010/sep/05/men-victims-domestic-violence
https://www.marriage.com/advice/domestic-violence/solutions-to-domestic-violence/
                                
2020-08-20 14:08:10